فصل: سنة ثمان وسبعين وست مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة سبع وسبعين وست مائة

فيها قدم الملك السعيد وعمرت القباب ودخل القلعة فأسقط ما وضعه أبوه على الأمراء فسر الناس ودعوا له‏.‏

وفيها توفي الفارقاني شمس الدين أقسنقر الظاهري أستاذ دار الملك الظاهر‏.‏

جعله الملك السعيد نائبه فلم ترض خاصة السعيد بذلك ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه ولم يقدر السعيد على مخالفتهم فقيل‏:‏ إنهم خنقوه وكان وسيماً جسيماً شجاعاً نبيلاً ذا خبرة ورأي وفيها توفي الأديب البارع نجم الدين محمد بن نوار الشيباني الدمشقي الفقير صاحب الحريري المعروف بابن إسرائيل كان روح المشاهد وريحانة المجامع فقيراً ظريفاً نظيفاً لطيفاً مليح النظم رائق المعاني وبعض الفقهاء ينكر عليه ويقول‏:‏ في بعض نظمه التصريح وفي بعضه التلويح بالإلحاد‏.‏

وفيها توفي شيخ الحنفية قاضي القضاة أبو الفضل سليمان بن أبي العز الأذرعي أحد من انتهت إليه رياسة المذهب في زمانه‏.‏

وفيها توفي ابن حباء الوزير الأوحد الشهير علي بن محمد المصري الكاتب الملقب بهاء الدين أحد رجال الدهر حزماً ورأياً وجلالة ونبلاً وقياماً بأعباء الأمور مع الدين والفقه والسيرة الحميدة والمحاسن العديدة والثروة الكثيرة والفتوة الشهيرة ابتلى بفقد ولديه الصدر بن فخر الدين ومحي الدين فصبر وتجلد وله من المناقب والمفاخر حظ وافر كثير‏.‏

 سنة ثمان وسبعين وست مائة

فيها اختلف خواص الملك السعيد عليه وخرج بعضهم عن الطاعة وتابعه نحو أربع مائة من الظاهرية فعسكر بالقطيفة ينتظر الجيش الذين ساروا للإغارة على بلاد ‏"‏ سيس ‏"‏ مع الأمير سيف الدين قلاوون فقدموا ونزل الكل في بعض المنازل وراسلوا الملك السعيد ثم اجتمع مقدم الخارجين عن الطاعة سيف الدين قلاوون وغيره من كبار الجيش وأفسد نياتهم واستمروا كلهم إلى مصر فسار وراءهم وبعث خزاينه إلى الكرك ثم دخل قلعة القاهرة بعد مناوشة وحروب قتل جماعة ثم حاصروه بالقلعة حتى ذل لهم وخلع نفسه من السلطنة وقنع بالكرك ورتبوا في السلطنة أخاه سلامش بالسين المهملة في أوله والمعجمة في آخره وعمره سبع سنين وجعلوا أتابك سيف الدين قلاوون وجعل نيابة دمشق لسنقر الأشقر ثم ترتب في السلطنة الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي في الحادي والعشرين من رجب من غير نزاع ولا قتال ولا اختلف عليه اثنان وحلف له أمراء الشام وسئل من الوسط سلامش وفي أواخر ذي الحجة‏.‏

ركب سنقر بعد العصر من الدار المسماة عندهم دار السعادة وهجم القلعة فملكها وحلفوا له وأعلنوا بالبشائر والأفراح في الحال ولقبوه بالسلطان الملك الكامل شمس الدين سنقر الصالحي وقبض على نائب القلعة حسام الدين لاجين وغيره ممن لم يحلف له من الأمراء‏.‏

وفيها توفي شيخ الشيوخ شرف الدين عبد الله ابن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن عمر الجويني‏.‏

وفيها توفي الشيخ نجم الدين ابن الحكيم عبد الله بن محمد الحموي الصوفي كان زاوية بحماة وفيه أخلاق حميمة وتواضع وخدمة للفقراء‏.‏

صحب الشيخ إسماعيل الكوراني وتوفي بدمشق اتفاقاً فدفن بمقابر الصوفية

وفيها توفي الشيخ عبد السلام بن أحمد ابن الشيخ القدوة غانم بن علي المرسي الواعظ أحد المبرزين في الوعظ والنظم والنثر‏.‏

وفيها توفي السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن الملك الظاهر وكان كريماً حسن الطباع فيه عدل ولين وإحسان ومحبة للخير خلوه من الأمر كما تقدم مات بقلعة كرك ثم نقل بعد سنة ونصف إلى تربة والده وتملك بعد الكرك أخو خضر‏.‏

 سنة تسع وسبعين وست مائة

فيها تحارب المصريون والشاميون وقاتل سنقر الأشقر بنفسه قتالاً ظهرت في شجاعته‏.‏لكن خامر عليه كثر عسكره وخذلوه وبقي في طائفة قليلة فانصرف ولم يتبعه أحد ونزل المصريون في خيام الشاميين وحكم مقدم مهنا بدمشق وسار سنقر إلى الرحبة وجاء تقليد دمشق لحسام الدين لاجين المنصوري وجعل للسفح من السلطان عمن قام مع سنقر ثم توجه هو إلى سواحل الشام فاستولى على بلدان كثيرة ثم بعد أيام وصلت التتار إلى حلب فماتوا ووضعوا السيف ورموا النار في المدارس وأحرقوا منبر الجامع وأقاموا يومين ثم ساقوا المواشي والغنائم‏.‏وفي آخر السنة سار السلطان إلى الشام غازياً فنزل قريباً من عكا فخضع له أهلها وراسلوه في الهدنة وجاء إلى خدمته عيسى بن مهنا وصفح عنه وكرمه‏.‏

وفيها توفي محمد بن داود البعلبكي الحنبلي وفيها توفي الفقيه المعمر أبو بكر بن هلال الحنفي رحمهما الله تعالى‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم بن الحسين الحلبي الرافضي الفقيه المتكلم شيخ الشيعة وعالمهم‏.‏سكن حلب مدة وصفع بها لكونه سب الصحابة‏.‏

 سنة ثمانين وست مائة

فيها قبض السلطان على جماعة من الأمراء فهرب السعدي والهاروني إلى عند سنقر ودخل السلطان دمشق وبعث عسكراً حاصروا شيراز وأخذوها فرضي سنقر وصالح السلطان فأطلق له عدة بلدان منها أنطاكية وغيرها‏.‏

وفي رجب كانت وقعة حمص‏.‏

أقبل سلطان التتار يطوي البلاد بجيوشه من ناحية حلب وسار السلطان بجيوشه فالتقوا شمالي تربة خالد بن وليد وكان ملك التتار في مائة ألف والمسلمون في خمسين ألفاً أو دونها فحملت التتار واستظهروا واضطربت ميمنة المسلمين ثم انكسرت الميسرة مع طرف القلب وثبت السلطان بحلقته واستمرت الحرب من أول النهار إلى اصفرار الشمس وحملت الأبطال بين يدي السلطان عدة حملات وتبين يومئذٍ فوارس الإسلام الذين لم يخلفهم الوقت مثل سنقر والوزيري السعدي وأزدمر حسام الدين لاجين وعلم الدويداري وغيرهم قال‏:‏ واستغاث الخلق والأطفال وتضرعوا إلى الله تعالى فنزل المدد من الله تعالى والنصر وفتح الله فانكسر أعداء الله وأصيب ملكهم بطعنة يقال أنها من يد الشهيد أزدمر وطلع من جهة الشرق عيسى بن مهنا فاستحكمت هزيمتهم وركب المسلمون أقفيتهم والحمد لله‏.‏

وفيها توفي الشيخ المفسر العلامة المقرئ المحقق الزاهد القدوة موفق الدين أبو العباس يوسف بن حنين الشيباني الموصلي الكواشي‏.‏

ولد بكواشة قلعة من نواحي الموصل واشتغل حتى برع في القراءات والتفسير والعربية وكان منقطع القرين ورعاً وزهداً وصلاحاً وتبتلاً وله كشف وكرامات‏.‏

وفيها توفي الزاهد القدرة الشافي أبو الحسين علي بن أحمد الجوزي‏.‏

صاحب حال وكشف وعبادة وتبتل‏.‏وفيها توفي ابن بنت الأعز قاضي القضاة صدر الدين عمر ابن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب العلائي الشافعي المصري ولي قضاء الديار المصريه نحو سنه ثم عزل وتوفي يوم عاشوراء‏.‏

وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة أحمد ابن قاضي القضاة يحيى الدمشقي الشافعي ولي القضاء ثم عزل بعد سنة بابن خلكان ثم سكن مصر وصودر ثم و قضاء حلب وكان يعد من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب مع الهيبة والتحري‏.‏

وفيها توفي شيخ الإسلام قاضي القضاة المعروف بابن رزين تقي الدين أبو عبد محمد بن الحسين العامري الحموي الشافعي ولد سنة ثلاث وست مائة واشتغل من الصغر وحفظ التنبيه والوسيط والمفصل والمستصفى للغزالي وغير ذلك وبرع في الفقه والعربية والأصول وشارك في المنطق والكلام والحديث وفنون من العلوم وأفتى وله ثمان عشر سنة أخذ الفقه عن ابن الصلاح والقراءات عن السخاوي وكان يفتي بدمشق في أيام ابن الصلاح ويؤم بدار الحديث ثم ولي الوكالة في أيام الناصر مع تدريس الشامية ثم تحول إلى مصر واشتغل ودرس بالظاهرية ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقاً وتديناً وورعاًً وتفقه به عدة أئمة وانتفعوا بعلمه وهديه وشيمه وورعه وتوفي في ثالث رجب‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو حامد المعروف بابن الصابوني محمد بن علي شيخ دار الحديث النورية حصل الأصول وجمع وصنف‏.‏

وفيها توفي الشاعر المشهور يوسف بن لؤلؤ من كبار شعراء الدولة الناصرية‏.‏

 سنة إحدى وثمانين وست مائة

وفيها توفي قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد الإربلي الشافعي المعروف بابن خلكان صاحب التاريخ ولد سنة ثمان وست مائة وسمع البخاري من مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وتفقه بالموصل على الكمال بن يونس وبالشام على ابن شداد ولقي كبار العلماء وبرع في الفضائل والآداب وسكن مصر مدة وناب في القضاء ثم ولي قضاء الشام عشر سنين معزولاً به عز الدين ابن الصائغ وعزل بعز الدين المذكور فأقام سبع سنين معزولاً بمصر ثم رد إلى قضاء الشام وعزل به ابن الصباغ وتلقاه يوم دخوله نائب السلطنة وأعيان البلد وكان يوماً مشهوداً قل أن رأى قاضٍ مثله‏.‏

وكان عالماً بارعاً عارفاً بالمذهب وفنونه‏.‏

شديد الفتاوى جيد القريحة‏.‏

وقوراً رئيساً حسن المذاكرة حلو المحاضرة بصيراً بالشعر جميل الأخلاق سرياً ذكياً إخبارياً عارفاً بأيام الناس‏.‏

له كتاب وفيات الأعيان وهو من أحسن ما صنف في هذا الفن‏.‏

قلت‏:‏ ومن طالع تاريخه المذكور طلع على كثرة فضائل مصنفه وما رأيته يتتبع في تاريخه إلا الفضلاء ويطنب في تعديد فضائلهم من العلماء خصوصاً علماء الأدب والشعراء وأعيان أولى الولايات وكبراء الدولة من الملوك والوزراء والأمراء ومن له شهرة وصيت في الورى‏.‏

لكنه لم يذكر فيه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولا من التابعين رحمة الله عليهم إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثيرة من الناس إلى معرفة أحوالهم‏.‏

كذا قال في خطبته قال‏:‏ وكذلك الخلفاء لم أذكر أحداً منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب‏.‏

قلت‏:‏ كأنه يعني بالخلفاء المذكورين الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم وما كان حاجة إلى ذكرهم فإنه قد ذكر أنه لم يذكر أحداً من الصحابة وكان حقهم أن يذكرهم قبل التابعين‏.‏بل قبل الصحابة وكلامه هذا يوهم أنه لم يذكر أحداً من الخلفاء الذين هم الملوك من بني العباس وغيرهم ولي كذلك بل قد ذكرهم فليفهم ذلك فإنه موهم‏.‏

رجعنا إلى تمام كلامه قال‏:‏ لكن ذكرت جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم ونقلت عنهم أو قلت‏:‏ وكلامه هذا أيضاً ليس بصائب فانه يوهم أنه لم ينقل إلا عن الذين عاصرهم وليس بصحيح فإنه لم يقتصر على ذلك بل هو كما ذكر في خطبته قبل هذا قال‏:‏ ولم أقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء والملوك والأمراء والوزراء والشعراء بل كل من كان له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه قال‏:‏ وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمه أو نادرة شعر أو رسالة ليتفقه متأمله ولا يراه مقصوراً على أسلوب واحد فيمله والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إن كان دً‏.‏

وذكر أنه كان ترتيبه لتاريخه المذكور في شهور سنة أربع وخمسين وست مائة بالقاهرة المحروسة‏.‏

ثم قال في آخره‏:‏ نجز الكتاب بحمد الله وعونه في يوم الاثنين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وست مائة بالقاهرة المحروسة ثم قال‏:‏ يقول الفقير إلى الله تعالى أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان مؤلف هذا الكتاب‏:‏ إنني كنت قد شرعت في هذا الكتاب في التاريخ المذكور في أوله على الصورة التي شرحتها هناك مع استغراق الأوقات في فصل القضايا الشرعية والأحكام الدينية بالقاهرة المحروسة فلما انتهيت فيه إلى آخر ترجمة يحيى بن خالد حصلت لي حركة إلى الشام المحروس في خدمة الركاب الشريف العالي المولوي السلطان المؤيدي المنصوري الغياثي المالكي الظاهري بيبرس قسيم أمير المؤمنين حمد الله تعالى سلطانه وشيد بدوام دولته قواعد الملك وثبت أركانه فدخلنا دمشق سابع ذي القعدة من سنة تسع وخمسين وست مائة وقلدني الأحكام بالبلاد الشامية يوم الخميس ثامن ذي الحجة من السنة المذكورة فتراكمت الأشغال وكثرت الموانع الصارفة عن إتمام هذا الكتاب فاقتصرت على ما كان قد أثبته من ذلك وختمت الكتاب واعتذرت في آخره بهذه الشواغل عن إكماله وقلت‏:‏ إن قدر الله تعالى مهلة في الأجل وتسهيلاً في العمل استأنفت كتاباً يكون جامعاً لجميع ما تدعو الحاجة إليه ثم حصل الانفصال عن الشام والرجوع إلى الديار المصرية وكانت مدة المقام بدمشق المحروسة عشر سنين لا تزيد ولا تنقص فلما وصلت إلى القاهرة صادفت بها كتباً كنت أوثر الوقوف عليها وما كنت أتفرغ لها فلما صرت أفرغ من حجام ساباط بعد أن كنت أشغل من ذات النحيين كما يقال في هذين المثلين‏.‏

طالعت تلك الكتب وأخذت منها حاجتي ثم تصديت لإتمام هذا الكتاب حتى كمل على هذه الصورة وأنا على عزم الشروع في الكتاب الذي وعدت به إن قدر الله عز وجل ذلك والله تعالى يعين عليه ويسهل الطريق المؤدية إليه‏.‏

فمن وقف على هذا الكتاب من أهل العلم ورأى فيه شيئاً من الخلل فلا يعجل بالمؤاخذة فإني توخيت فيه الصحة حسب ما ظهر لي مع أنه كما يقال‏:‏ أبى الله أن يصح إلا كتابه‏.‏لكن هذا جهد المقل وبذل الاستطاعة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولا يكلف الإنسان ما لا تصل قدرته إليه وفوق كل في علم عليم فالله يستر عيوبنا بكرمه الضافي ولا يكدر علينا ما منحنا به من مشرع إعطائه النمير الصافي‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

انتهى كلامه مع حذفي لألفاظ يسيرة منه كقوله السلطان الماجدي المرابطي الشاعري المنعمي المحسني مما يطنب فيه من مدح أهل الدنيا من الملوك وغيرهم وألفاظ أخرى لا تدعو الحاجة إلى استيعابها ذكراً وغفرانك اللهم غفراً ثم عزل القاضي شمس الدين المذكور بابن الصباغ ثانياً واستمر معزولاً وبيده المدرسة الأمينية والنجيبية إلى أن توفي في شهر رجب في السنة المذكورة وشيعه خلق كثير‏.‏

وقد روى عنه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصري وبه تخرج الشيخ أبو الحجاج المزي ومؤرخ الشام الحافظ علم الدين البرزالي وخلق ومن شعر القاضي شمس الدين ابن خلكان‏:‏ أي ليل على المحب أطاله سائق الظعن يوم زم رحاله يزجر العيس طاوياً يقطع المهمه عسفاً سهوله ورماله يسأل الربع عن ظباء المصلى ما على الربع لو أجاب سؤاله هذه سنة المحبين يبكون على كل منزل لا محاله مع أبيات أخرى منها‏.‏

يا عريب الحمى اعذروني فإني ما تجنبت أرضكم عن ملاله وفي السنة المذكورة توفي الشيخ عبد الله بن أبي بكر الخريبي بقية شيوخ العراق‏.‏

كان صاحب أحوال وكرامات وله أصحاب وأتباع تفقه وسمع الحديث قال الذهبي‏:‏ كان شيخنا شمس الدين الدباهي يحكى عنه عجائب كرامات‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام زين الدين عبد السلام بن علي المالكي القاضي المقري شيخ المقرئين برع في الفقه وعلوم القران والزهد والإخلاص وقرأ القراءات على السخاوي وولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح اثنتين وعشرين سنة وقرأ عليه خلق كثير وولي القضاء تسعة أعوام ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه شمس الدين بن عطار واستمر على التدريس والإقراء وتوفي في رجب رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها هلك طاغية التتار والمغل كان نصرانياً خرج يوم المصاف على حمص وحصل له ألم وغم بالكسرة واعتراه فيما قبل صرع متدارك كما اعترى أباه هولاكو وهلك في أوائل المحرم إلى لعنة الله تعالى‏.‏سنة اثنتين وثمانين وست مائة فيها توفي الشهاب ابن تيمية أبو حامد عبد الحليم بن عبد السلام الحزاني الحنبلي تفقه على والده ثم انتقل ورحل في صغره فسمع بحلب من جماعة وصار شيخ حران وحاكمها وخطيبها بحد موت والده ثم انتقل بآله وأصحابه إلى بلاد الشام‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام شمس الدين عبد الرحمن ابن القدوة الزاهد محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي تفقه على عمه الموفق وبحث عليه المقنع وعرضه وصنف له شرحاً في عشر مجلدات قيل‏:‏ وكان منقطع القرين عديم النظير علماً وفضلاً وجلالة وقد جمع المحدث نجم اللين إسماعيل بن الخباز له سيرة في مائة وخمسين جزءاً لكن ثلاثة أرباعها لا تعلق له بترجمته الأعلى سبيل الاستطراد‏.‏

وفيها توفي العماد الموصلي أبو الحسن بن يعقوب المقرئ الشافعي انتهت إليه رياسة الإقراء وكان فصيحاً مفوهاً فقيهاً مناظراً‏.‏

كرر على الوجيز للغزالي‏.‏

وفيها توفي الرشيد الصدر الأوحد المحيي ابن القلانسي أبو الفضل يحيى بن علي التميمي الدمشقي المقدسي‏.‏

وفيها توفي المفتي شمس الدين أحمد الشافعي مدرس الشامية ولي نيابة القضاء عن ابن الصائغ وكان بارعاً في المذهب‏.‏

متين الديانة خيراً ورعاً رحمه الله‏.‏

في شعبان كانت الزيادة الهائلة بدمشق بالليل هكذا هو الزيادة في الأصل الذي وقفت عليه من الذهبي وما يظهر لي معنى صحيح ولعله الزلزلة والله أعلم فخربت البيوت وانطمت الأنهار‏.‏

وفيها توفي ابن المنير الإمام العلامة ناصر الدين أحمد بن محمد الجذامي الاسكندراني المالكي قاضي الإسكندرية وفاضلها في الفقه والأصول والعربية والبلاغة وصنف التصانيف‏.‏

وفيها توفي ابن البارزي قاضى القضاة وابن قاضيها وأبو قاضيها نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله الجهني الشافعي كان بصيراً في الفقه والأصول والكلام والأدب وله شعر بديع وديانة متينة وصدق وتواضع توفي بتبوك في ذي القعدة فحمل إلى المدينة الشريفة‏.‏

وفيها توفي عيسى بن مهنا ملك العرب بالشام ورئيس أهل الفضل كانت له المنزلة العالية عند السلطان وصيت شائع في البلدان قلت‏:‏ ومن صيته الشهير والتفخيم له والتعظيم ما وقع له من بعض قومه في بعض الأيام وفلك أتي كنت يوماً ماراً إلى القرافة فلما بلغت تحت قلعة السلطان رأيت جماعة كثيرين مجتمعين على شيء فاستشرفت نفسي إلا الإطلاع على ذلك الشيء فإذا هو رباب يسمعها عرب مهنا من واحد منهم فلما دنوت منهم أنكرت فقلت له‏:‏ اسكت فما سكت به صاحب الرباب وعرفت أنه لا يلتفت إلى قولي لكوني فقيراً حقيراً لا أعرف في ذلك المكان وهم وفد عزيز كريم على السلطان فهولت عليه بالصياح في قولي له اسكت مع تكرير هذه الكلمة حتى أوهمته أن لي شوكة فرفع رأسه إلي وسكت فقلت له‏:‏ أما علمت أن هذا الفعل حرام فقال‏:‏ من حرمه فقلت‏:‏ الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إلا على آل عيسى فعجبت من قوله وشدة جهله وعرفت أن ما لعلته طباً شافياً ولا طبيباً مداوياً فذهبت وخليتهم توفي عيسى المذكور في الربيع الأول وقام بعده ولده الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر‏.‏

وفيها توفي ابن الصائغ قاضي القضاة أبو المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري الدمشقي الشافعي كان عارفاً بالمذهب بارعاً في الأصول والمناظرة درس بالشامية مشاركة مع شمس الدين المقدسي ثم ولي وكالة بيت المال ثم ولي قضاء الشام وعزل به ابن خلكان وظهر منه نهضة وشهامة وقيام في الحق بكل ممكن مع زعارة وفظاظة وإهمال بجانب أكابر من أهل زمانه فقاموا عليه ناهضين لخفض شأنه متعرضين له مقابلين بالبغضاء ساعين فيه حتى عزل عن القضاء بالذي عزل به ابن خلكان وأنشد لسان حال الزمان‏:‏ أيها الإنسان كما تدين تدان وذلك في سنة سبع وسبعين ثم أعيد إلى منصبه في سنة ثمانين ثم أنهم قاموا له أيضاً وعرضوه بجمر الغضا‏.‏نعوذ بالله من سوء القضا فامتحن في سنة اثنتين وثمانين وأركبوه متن الأخطار وأخرجوا عليه محضراً بنحو مائة ألف دينار ولم يزل يلقى منهم شدة وبلاء إلى أن خلصه الله تعالى وولوا مكانه القاضي بهاء الدين ابن الزكي وانقطع هو بمنزله بعد ما تمت فصول على ما حكي في ربيع الآخر وابن خلكان في سنة إحدى كما تقدم بتقدير في الحكمة البالغة والحكم المحكم‏.‏

وفيها توفي الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين محمود بن المنصور محمد بن عمر ابن شاهنشاه بن أيوب تملك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وعمره عشر سنين رعاية لأمه الصاحبة بنت الكامل وكان مذموماً في ديانته على ما قيل الله تعالى يسامحه‏.‏

وفيها توفي السيد الإمام الكبير الشأن القدوة المشكور الشيخ أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني قدم شاباً فسمع بها من محمد بن عمار والصفراوي كان عارفاً بمذهب مالك راسخ القدم في العبادة والنسك سالكاً في محاسن المسالك قال الذهبي‏:‏ كان أشعرياً منحرفاً على الحنابلة هذه عبارة فيها من الغض له ما فيها كما عرف من عادته من التنقيص من أئمة منهج الحق وسادته وكانت وفاته في رمضان ودفن بالقرافة وشيعه أمم قدس الله روحه قلت‏:‏ وله مناقب مشهور ومشكورة‏.‏

فيها توفي النسفي الإمام العلامة برهان الدين محمد بن محمد بن محمد الحنفي المتكلم صاحب التصانيف في الخلاف يتخرج به خلق وطالت حياته‏.‏

كان مولده في ست ست مائة‏.‏

وفيها توفيت ست الغرب أم الخير بنت يحيى الدمشقية الكندية سمعت من مولاهم التاج الكندي وحضرت سماع الغيلانيات على ابن طبرزد‏.‏

وفيها توفي الصائن مقرئ بلاد الروم المجود الضرير أبو عبد الله محمد البصري قرأ القراءة وكان بصيراً بمذهب الشافعي خيراً صالحاً‏.‏

وفيها توفي شبل الدولة الطواشي الأمير أبو المسك كافور الصوابي الصالحي خزندار قلعة دمشق روى عن جماعة وكان محباً للحديث عاقلاً ديناً‏.‏

وفيها توفي ابن شداد الرئيس المنشئ البليغ محمد بن إبراهيم الأنصاري الحلبي الذي جمع السيرة للملك الظاهر وجمع تاريخاً لحلب‏.‏

وفيها توفي الحراني الأمير ناصر الدين محمد ابن الافتخار والي دمشق ومشيد الأوقاف كان من عقلاء الرجال والبهائم مع الفضيلة والديانة والمروءة الكاملة النافذة في الدولة استعفى من الولاية فأعفي ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها وتوفي فنقل إلى دمشق‏.‏

وفيها توفي الشيخ الجليل شرف الدين محمد بن الحسن الإخميمي نزيل سفح قاسيون كان

 سنة خمس وثمانين وست مائة

فيها أخذت الكرك من الملك مسعود خضر ابن الملك الظاهر ونزل منها وسار إلى مصر‏.‏وفيها توفي الشريشي العلامة جمال الدين محمد بن أحمد البكري الموامكي الأندلسي الفقيه المالكي الأصولي المفسر كان بارعاً في ذلك مهذباً محققاً للعربية عارفاً بالكلام والنظر جيد المشاركة في العلوم ذا زهد وتعبد وجلالة‏.‏

وفيها توفي ابن الزكي قاضي القضاة محيي الدين أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين علي ابن قاضي القضاة منتجب الدين محمد بن يحيى القرشي الدمشقي الشافعي‏.‏

 سنة ست وثمانين وست مائة

فيها توفي ابن عساكر ذو المجد والمفاخر الإمام الزاهد المحدث الماهر أمين الدين أبو اليمن‏.‏

عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقي‏.‏المجاور بمكة روى عن جده وعن الشيخ الموفق وطائفة وكان صالحاً خيراً قوي المشاركة في العلم بديع النظم طيف الشمائل صاحب توجه وصدق جاونى أربعين سنة وتوفي وقد نيف على السبعين قلت‏:‏ ومن نظمه وقد دعاه الوزير ذو المحاسن والغرائب الحسناء الموصوف المعروف بابن حنا إلى التدريس لما بلغه من يا من دعاني إلى أبوابه كرماً إني إلى باب بيت الله أدعوكا ومن حداني إلى تدريس مدرسة إني إلى السعي والتطواف أحدوكا أبيت لله جاراً لا ألوذ بما شيء سواه وهذا القدر يكفيكا وأنثني طائفاً من حول كعبته أرى ملوك الدنا عندي مماليكا وفيها توفي قطب الدين ابن القسطلاني الكبير المحدث الشهير محمد بن أحمد بن علي المكي ثم المصري ولد سنة أربع عشرة وست مائة وسمع من شيخ عصره عارف بالله إمام الطريقة ولسان الحقيقة شهاب الدين السهروردي ومن الإمام المحدث أبي الحسن علي بن البنا وجماعه وتفقه وأفتى ثم رحل سنة تسع وسمع ببغداد ومصر والشام والجزيرة حتى بلغني أن له ألف شيخ وكان ممن جمع بين العلم والعمل والورع وخوف الله عز وجل وولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة بعد قدومه إلى الديار المصرية بعد أن طلب من مكة المشرفة على ما ذكر بعض من له بالتواريخ معرفة وأبوه الشيخ أبو العباس القسطلاني المتقدم ذكره المعروف بزاهد مصر تلميذ الشيخ الكبير الولي الشهير أبي عبد الله القرشي وأمه المرأة الولية الصالحة زوجة الشيخ القرشي المذكور‏.‏

تزوجها أبوه بعد وفاة الشيخ بإشارة من الشيخ بعد موته فولدت له ولداً مباركاً كان مكاشفاً من صغره ثم توفي فلما حضرته الوفاة حزنوا عليه فقال لهم‏:‏ لا تحزنوا فسوف يأتي بعدي لكم ولد عالم صالح يكون من صفته كذا وكذا فولدت أمه بعده الشيخ الإمام قطب الدين المذكور ذا المحاسن والفضل المشهور‏.‏

وفيها توفي البدر بن مالك أبو عبد الله حمد ابن العلامة جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي المجياني ثم الدمشقي شيخ العربية وإمام أهل اللسان وقدوة أرباب المعاني والبيان‏.‏

قال الذهبي‏:‏ كان ولده الملقب بدر الدين المذكور ذكياً عارفاً بالمنطق والأصول والنظر لكنه كان لعاباً معاشراً توفي بالقولنج في ثامن المحرم ولم يتكهل‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ذكر الذهبي وهو خلاف ما رأيت من ترجمته في شرح الألفية فإنه مكتوب فيه شرح الخلاصة في النحو للشيخ الإمام العالم العامل الورع الزاهد حجة العرب لسان الأدب قدوة البلغاء والفصحاء بدر الدين محمد ابن الإمام العالم حجة العرب أبي عبد الله بن مالك الطائي هكذا رأيت في الشرح المذكور والله أعلم به بجمع الأمور وعلى الجملة فقط أخطأ أحد المترجمين إذ لا يمكن الجمع بين وصفين متناقضين فإن كان كما ذكره القادح فكان حق المادح أن يمدحه بما فيه من العلم دون ما ذكر من كونه عاملاً ورعاً زاهداً وإن كان كما ذكره المادح فالذام الواصف له بالوصف المذكور مرتكب إثماً عظيماً فإن مدحه فيه يبقى على تعاقب الدهور لكن الذهبي معروف بمعرفة علم التاريخ وأحوال أوصاف الناس الظاهرة ولكن كان ينبغي على تقدير صحة قوله أن يعرض بذمه ووصفه القبيح ولا يصرح به هذا التصريح‏.‏

 سنة سبع وثمانين وست مائة

فيها توفي الإمام المحدث الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز الرعيني الأندلسي المالكي سمع من جماعة وسكن دمشق وقرأ الفقه وتقدم في الحديث مع الزهد والعبادة والإيثار والصفات الحميدة والحرمة والجلالة ناب في القضاء ثم ولي مشيخة دار الحديث الظاهرية‏.‏

وفيها توفي الشيخ إبراهيم بن معصار أبو إسحاق الجعبري الزاهد الواعظ المذكور روى عن السخاوي وسكن القاهرة وكان لكلامه وقع في القلوب لصدقه وإخلاصه وصدعه بالحق‏.‏

قلت‏:‏ هذه ترجمه الذهبي بحروفها وهي ناقصة في حقه قاصرة بلى غاضة من قدره ومناقبه الفاخرة فإنه الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله‏.‏

الخبير ذو المقامات العلية والأحوال السنية والأنفاس الصادقة والكرامات الخارقة والآيات الباهرة والمناقب الزاهرة واللسان البارع والمقال الصادع والنور الساطع والسيف القاطع سيرته مشكورة وكراماته مشهورة وله بدايات هائلة ونهايات طائلة‏.‏

ومن كراماته أنه جاء قبل موته إلى موضع قبره ثم قال‏:‏ يا قبير قد جاءك زبير ومكث هنالك ليس به علة ولا مرض ثم توفي عن قريب ووصل إلى المنى بلقاء الله تعالى عز وجل والفرض‏.‏

وحضر يوماً ميعاده الشيخ العارف ذو المعارف واللطائف أبو محمد المرجاني مستخفياً‏.‏

فقال في أثناء كلامه‏:‏ جاءكم المرجاني وكان بعض الأمراء قد ترك ولازم مجالسته مده من الزمان فقطعوا خيره من الديوان فقال له الأمير المذكور‏:‏ إيش ترى في هذا اسكت عنهم في هذا الأمر أم أتكلم‏.‏

فقال له الشيخ‏:‏ لا ما تسكت ثم استدعى الشيخ بورقة وكتب فيها أيتها الكلاب الزويرية اتركن من اللحم على العظم بقية تأكلها الكلاب البلدية ثم أرسل بها إلى أهل الدولة وكان السلطان هو الملك الظاهر فوقف عليها كبراء الدولة ثم أوقفوا عليها السلطان المذكور فغضب وهم للسطوة فقيل له‏:‏ إن هذا الشيخ من صفته كيت وكيت فسكت وأعادوا لذلك الأمير خيره هذا معنى القضية وإن اختلف بعض الألفاظ وكان مذهبه المحو الكلي وإظهار الإفلاس والعدم وهو القائل في معارضة قول الشيخ عبد القادر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنا بلبل الأفراح املأ دوحها طرباً وفي العلياء باز أشهب وهذا البيت من جملة أبيات كثيرة قدمتها في ترجمة الشيخ عبد القادر رضي الله عنه فقال الشيخ المذكور في معارضة البيت المذكور‏:‏ ودخل عليه يوماً بعض أصحابه فقال له‏:‏ يا سيدي سمعت بيتين من منشد فأعجباني‏.‏

فقال له‏:‏ ما هما فقال‏:‏ وقائلة أنفقت عمرك مسرفاً على مسرف في تيهه ودلاله فقلت لها‏:‏ كفي عن اللوم أنني شغلت به عن هجره ووصاله فقال له الشيخ‏:‏ ما هذا مقامك ولا مقام شيخك فأطرق التلميذ ثم رفع رأسه وقال له يا سيدي وقع لي بيتان غيرهما فقال‏:‏ قلهما‏.‏

فقال‏:‏ وقائلة طال انتسابك دائماً إليه فهل يوم خطرت بباله فقلت لها‏:‏ ما كنت أهلاً لهجره فما تعتريني شبهة في وصاله ومما روينا له ما أنشدنا عنه ولده السيد الجليل الشيخ ناصر الدين‏:‏ أحن إلى لمع السراب بأرضكم فكيف إلى ربع به مجمع السرب فوا أسفي دون السراب وإنني أخاف بأن يقضي على ظمأي نحبي ومذبان ذاك الركب عني لم أزل أعفر من الخد في أثر الترب قلت‏:‏ فهذا ما اقتصرت عليه في ترجمته وهو قدر حقير في وصف جلالته مخل فذكر محاسنه يحتاج إلى تصنيف مستقل‏.‏

وفيها توفي السيد الجليل الولي المشكور المشهور بالأسرار والكرامات والإكرام الشيخ ياسين المغربي الحجام كان من أولى أنفاس الصادقة والأحوال والكشوفات الخارقة متستراً بالحجامة عن ظهور الولاية والكرامة وكان جراحاً على باب الجابية وكان السيد الجليل الشيخ الإمام محيي الدين النواوي رحمة الله تعالى يزوره ويتبرك به ويتلمذ له ويقبل إشاراته ويمثل ما أمره به‏.‏

ومن جملة إشاراته المباركة أنه أمر الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى أن يرد الكتب المستعارة إلى أهلها وأن يعود إلى بلاده ويزور أهله ففعل ذلك ثم توفي عند أهله رحمه الله تعالى قلت‏:‏ ومثل هذا السيد الذي كان الشيخ الإمام العالي المقام الممدوح بين الأنام محيي الدين النواوي يتبرك به ويتلمذ له ويتأدب معه ينبغي أن يفخم ويعظم ويبجل ويكرم وأما قول الذهبي‏:‏ والحاج ياسين المغربي الحجام الأسود كان جراحاً وكان النواوي يزور ويتلمذ له بغير لائق بقدرهما‏.‏

وكانت وفاة الشيخ ياسين المذكور في شهر ربيع الأول وقد قارب الثمانين نفعنا الله به وبجميع الصالحين آمين‏.‏

وفيها توفي ابن النفيس العلامة علاء الدين علي بن أبي الحزام القرشي الدمشقي شيخ الطب بالديار المصرية وصاحب التصانيف وأحد من انتهت إليه معرفة الطب مع الذكاء المفرط والذهن الخارق والمشاركة في الفقه والأصول والحديث والعربية والمنطق‏.‏

 سنة ثمان وثمانين وست مائة

في ربيع الأول منها نزل السلطان الملك المنصور مدينة طرابلس ودام الحصار والقتال ورمى بالمجانيق والكبار وحفر النقوب ليلاً ونهاراً إلى أن افتتحها بالسيف في رابع ربيع الآخر وغنم المسلمون أموالاً لا تحد ولا توصف وكان سورها منيعاً قليل المثل وهي من أحسن المدائن وأطيبها فأخربها وتركها خاوية على عروشها ثم أنشأوا مدينة على ميل من شرقيها وجاءت ردية الهوا والمزاج على ما ذكر بعضهم‏.‏

وفيها يوم عرفة توفي الشيخ العماد أحمد بن العماد إبراهيم المقدسي الصالحي سمع من جماعة واشتغل وتفقه ثم تفقر وتجرد وصار له أتباع ومريدون طعن فيهم الذهبي والله أعلم‏.‏

وفيها توفي العلم ابن الصاحب أبو العباس أحمد بن يوسف المصري اشتغل ودرس وتميز ثم تفقر وتجرد وغض منه الذهبي أيضاً ثم قال‏:‏ ونوادره مشهورة وروائده حلوة وله أولاد وفيها توفيت زينب بنت مكي الحراني ابن علي ابن الكامل الشيخة المعمرة العابدة أم أحمد سمعت من حنبل وابن طبرزد وست الكتبة وطائفة وازدحم عليها الطلبة وعاشت أربعاً وستين سنة‏.‏

وفيها توفي الفخر البعلبكي المفتي عبد الرحمن بن يوسف سمع من القزويني وابن الزبيدي وجماعة وتفقه بدمشق على النقي بن العز وغيره وعرض كتاب علوم الحديث على مؤلفه الشيخ الإمام ابن الصلاح وأخذ الأصول عن السيف الآمدي وتخرج به جماعة وكان من العلماء الصالحين العاملين‏.‏

وفيها توفي شمس الدين الأصفهاني الأصولي المتكلم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمود نزيل مصر‏.‏

صاحب التصانيف له كتاب القواعد في العلوم الأربعة الأصلين والخلاف والمنطق وكتاب غاية المطلب في المنطق وله يد طولى في العربية‏.‏

درس في مشهد الشافعي ومشهد الحسين وتخرج والمصريون وتوفي في رجب منيفاً على السبعين‏.‏سنة تسع وثمانين وست مائة فيها توفي السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي وفيها توفي أبو الفتوح قلاوون التركي الصالحي النجمي كان من أكابر الأمراء زمن الظاهر وتملك في رجب سنة ثمان وسبعين وكسر التتار على الحمص وغزا الفرنج غير مرة وتوفي في سادس ذي القعدة بالمخيم بظاهر القاهرة وقد عزم على الغزاة ثم دفن بتربته بين القصرين‏.‏

وفيها توفي خطيب دمشق عبد الكافي بن عبد الملك الدمشقي الشافعي المفتي سمع من ابن صباح وابن الزبيدي وجماعة وناب في القضاء مدة وكان ديناً حسن السمت للناس فيه عقيدة كبيرة‏.‏

وفيها توفي الرشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الشافعي الأديب‏.‏سمع من الفخر وابن الزبيدي وغيرهما وكان أديباً بارعاً منشئاً بليغاً شاعراً مفلقاً لغوياً محققاً‏.‏

درس بالناصرية مدة ثم بالظاهرية وتصدر للإفادة وخنق في بيته بالظاهرية وأخذ ماله ودرس بعده علاء الدين ابن بنت الأغر‏.‏

 سنة تسعين وست مائة

دخلت والسلطان هو الملك الأشرف ابن المنصور وقد فوض الوزارة إلى شمس الدين بن سعلوس ونيابة الملك إلى بدر الدين بيدراً فسار بالجيوش إلى الشام ونزل إلى عكا في رابع ربيع الآخر وجد المسلمون في حصارها واجتمع عليها أمم لا يحصون فلما استحكمت النقوب وتهيأت أسباب الفتح أخذ أهلها في الهزيمة في البحر فافتتحت بالسيف بكرة الجمعة سابع عشر جمادى الأولى وصير المسلمون سماءها أرضاً وطولها عرضاً وأخذ المسلمون بعد يومين مدينة صور بلا قتال لكون أهلها هربوا في البحر لما علموا بأخذ عكا وسلمها الرعية بالأمان وأخربت أيضاً ثم افتتح الشجاعي صيدا في رجب وأخربت ثم افتتح بيروت بعد أيام وهدمها فلما رأى أهل حصن عثليث بالمثلثة بعد العين المهملة مكررة في آخره خلو الساحل من عباد الصليب‏.‏

أحرقوا حواصلهم فهربوا في البحر فهدمه المسلمون وكذلك فعل بأهل طرسوس فتسلمها الطباخي ولم يبق للنصارى بأرض الشام معقل ولا متحصن‏.‏وفيها توفي عن اثنتين وثمانين سنة الإمام الجليل السيد الجليل ذو المجد الأثيل بركة الزمن وفقيه اليمن المعروف بابن عجيل الولي الكبير العارف بالله الشهير ذو السيرة الحميدة والمناقب العديدة والبركات الظاهرة والكرامات الباهرة أبو العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر الذوالي بالذال المعجمة كان أبوه عالماً بأصول الفقه وفروعه وانتهت إليه رياسة الفقه والفتوى حتى كان يقول شيخه الكرماني في إجازته علامة اليمن وأعجوبة الزمن وكان عمه محمد فقيها في الفرائض والحساب وكان عمه وشيخه إبراهيم عالماً بالحديث والعربية والفقه وأصوله وكان أبوه موسى المذكور يصحب الشيخ والفقيه وكان إذا زارهما يقولان له أو أحدهما‏:‏ أرحب يا أبا أحمد ويبشرانه أنه يولد له ولد يكون له شأن عظيم‏.‏

قلت‏:‏ وبلغني أن الشيخ الحكمي قال له‏:‏ يكون أحمد شمس زمانه لا كشموسنا وبلغني أيضاً أنهما أتيا يوم السابع عن ولادة الفقيه أحمد المذكور وأسرا إليه كلاماً في أذنه لم يدر الحاضرون ما هو حتى سئل الفقيه أحمد عنه بعدما كبر‏.‏

ما هو فقال‏:‏ أوصياني بذريتهما وكان رضي الله تعالى عنه قد نشأ نشوءاً عجيباً وظهرت فيه النجابة ولاح عليه الفلاح واستفاض في الناس أنه ما لعب ولا صبا ولم يعرف له سوى الورع والزهد والعبادة والاشتغال بالعلم والاستفادة والإفادة‏.‏

اشتغل على عمه إبراهيم ولازمه اثنتي عشرة سنة يقرأ فيها الفنون التي قد أتقنها مع خلو البال والاعتزال لا يبطل الاشتغال في يوم جمعة ولا غيره فبرع في العلوم خصوصاً الفقه وله شيوخ غير عمه أخذ عنهم في مكة وهم جماعة‏.‏

منهم الإمام محمد بن يوسف بن مسدي بفتح الميم وسكون السين وكسر الدال المهملتين المهلبي والإمام سليمان بن خليل العسقلاني والإمام إسحاق بن أبي بكر طبري وفي اليمن الفقيه الإمام محمد بن إبراهيم الفشلي كل هؤلاء المذكورين خطوطهم في كتبه مسطورة‏.‏

وأخذ عنه خلائق منهم الفقيه العلامة السيد الكبير الولي الشهير ذو المناقب الجليلة المواهب الجزيلة والكرامات الباهرة والمحاسن الزاهرة أبو الحسن علي بن إبراهيم البجلي اليمني الساكن في شجينة بضم الشين المعجمة وفتح الجيم والنون وبينهما مثناة من تحت ساكنه قرية من تهامة اليمن كان يحج بقوافل اليمن بعد شيخه ابن عجيل المذكور أدركته وحججت معه ولعلي المذكور كرامات يطول ذكرها وفضائل يجل قدرها‏.‏

قيل خرج من تحت يده نيف وثمانون مدرساً وكان فقه كتاب المهذب على ذهنه وله ولد اسمه إبراهيم أعني التلميذ المذكور كان في العلم والصلاح والكرامات بمكان رفيع وفضل وسيع‏.‏

ومن كراماته ما بلغني أنه زار مع أبيه مساجد الفتح غربي المدينة الشريفة فنبحهم كلب هناك فالتفت إليه إبراهيم المذكور فتفل في وجهه فمات الكلب فغضب عليه أبوه لإظهاره مثل هذه الكرامة العظيمة من غير ضرورة دعت إلى ذلك‏.‏

ومن كرامات والده الفقيه علي المذكور الداعية إليها الضرورة أن بعض الناس أودع امرأة وديعة فماتت الامرأة ولم يعلم بها أحد أين تركت الوديعة فجاء صاحب الوديعة فطلبها فلم يجد من يعلمه بها فجاؤوا إلى الفقيه علي المذكور وذكروا له الحال فقال‏:‏ أروني قبرها فذهبوا به إلى القبر فوقف عليه ساعة واحدة ثم سأل هل في بيتها شجرة حناء‏.‏

قيل‏:‏ نعم قال‏:‏ احفروا وكان رضي الله عنه يحج ويزور في شبابه على رجليه سنيناً كثيرة وقدم في بعضها المدينة الشريفة وابن عجيل فيها فخرج للقائه بأمر النبي عليه السلام له بذلك فوجده عند المصلى سابع سبعة وقربته علي ظهره في قصة طويلة هذا مختصرها وكانت له أيام زاهرة وبركات ظاهرة وإليه أشرت بقولي في ذكر شجينة قريته‏:‏ وكم شجن قد حل بي من شجينة بحسن مليحات حوتها فواضل وممن أخذ عن ابن عجيل أيضاً الفقيه الإمام العالم العلامة أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بابن الصريدح كان فقيهاً فاضلاً صالحاً مفيداً منتفعاً به‏.‏

مررت عليه عند زيارتي لقبر ابن عجيل المذكور وكان قويباً منه فوجدته يدرس جماعة من الطلبة فألقيت عليهم ثلاث مسائل فوقفوا عن جوابها ثم استمررت في سفري إلى مكة ثم إلى المدينة ثم بعد سنين كثيرة قدم حاجاً بعض طلبته وهو الفقيه الفاضل الصالح العالم العامل أبو بكر المعروف بدعسين بفتح الدال والسين وسكون العين بينهما مهملات وسكون المثناة من تحت قيل‏:‏ النون وهو لا يعرفني ولا أعرفه فقال‏:‏ قدم علينا شاب وسألنا عن ثلاث مسائل فلم نعرف جوابها وفتشنا الكتب فوجدنا جواب واحدة منها وواحدة وجدنا فيها وجهين وواحدة لم نجد لها جواباً فضحكت عند ذلك فعرف حيئذٍ أني كنت ذلك السائل وابن الصريدح المذكور من بني ومنهم الفقيه عبد الله بن أحمد الصريدح‏.‏

تفقه على جد ابن عجيل المذكور علي بن عمر بن عجيل رحمهم تعالى‏.‏

وممن أخذ عن ابن عجيل أيضاً الفقيه الإمام العلامة ذو الفهم الثاقب والعلو والمناقب الفاضل البارع النجيب قاضي القضاة رضي الدين الأديب اليمني اللخمي‏.‏

ومنهم الفقيه الأجل العالم البارع المتفنن أبو الحسن علي بن عبد الله الجبرتي المشهور بالفرضي البارع في علم الفرائض كثير من الناس يسمونه الزيلعي ومنهم ولد ابن عجيل المذكور الفقيه القدوة الصالح إبراهيم بن أحمد وقد أدركته وزرته ووجدته يقرئ بنية له صغيرة‏.‏

وممن روى عن ابن عجيل المذكور شيخنا الرواية إمام الحديث في زمانه رضي الدين إبراهيم بن محمد الطبري إمام المقام الشريف بمكة يروي عنه كتاب ‏"‏ المصابيح ‏"‏ في الحديث وهو يرويه عن عمه بسنده المثبت في الطباق وكان يشير إلى شيخنا المذكور إذا طلب منه الدعاء بعض أهل مكة ويقول‏:‏ عندكم إبراهيم وكان كثير التردد إلى الحج والزيارة‏.‏

وله كرامات عديدة وسيرة حميدة وزهد وورع دقيق واتقان للعلوم وتحقيق وقدر كبير وصيت شهير صارت بفضله الركبان إلى شاسع البلدان ولعله كان يزيد على الشيخ الإمام رفيع المقام محيي الدين النواوي في ورعه وأدبه وزهده وتقشفه فمعيشته كانت من الذرة وقد قال بعضهم في مثل أحمد بن موسى‏:‏ في الأولياء كيحيى بن زكرياء في الأنبياء‏.‏

كأنه أشار إلى ما ورد ما منا إلا من عصي أو هم بمعصية إلا يحيى بن زكرياء وكان رضي الله تعالى عنه فيه من المحاسن والآداب ما يحتاج ذكره إلى تصنيف كتاب‏.‏

ونقتصر من ذكر كراماته الكثيرة على واحدة منها شهيرة وهي أنه جاءه بعض الناس يلتمس بركته وفي يده سلعة فقال له‏:‏ يا سيدي هذه السلعة درت بها على الصالحين ليدعوا لي في ذهابها فلم تذهب وأنت إن لم تدع لي وتذهب بدعائك وإلا ما بقيت أحسن ظني بأحد من الصالحين فقال له‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قرأ عليها وقال‏:‏ اربط عليها بخرقة ولا تفتحها حتى تصل إلى بلادك ففعل ما أمر به ثم سافر إلى أن بلغ بعض الطريق وحضر وقت الغداء ومعه رفقة فقالوا‏:‏ تعالوا نتغذى في هذه القرية فاشتروا خبزاً ولبناً وفتوه وعادة أهل اليمن يكلون الخبز واللبن إذا كان مفتوتاً بالكف ففتح الخرقة وأكل بكفه ناسياً لما أوصاه به من ترك فتحها إلى بلاده فلما فرغ من الأكل ذكر ما أوصاه به ونظر إلى يده فإذا السلعة التي كانت فيها قد ذهبت ولم يزل رضي الله تعالى عنه مع ما هو متصف به من مشاهدات الأنوار والإطلاع على الأسرار يشغل الطلبة بالعلوم بالليل والنهار حتى بمقامات الحريري على ما بلغني وأصله من عرب يقال لهم‏:‏ المعازبة بالعين المهملة قبل الألف وبعدها زاي وموحدة قبل الهاء يسكنون قريباً من زبيد وإلى انتسابه إليهم وحسن سيرته وأدبه أشرت بقولي في بعض قصائدي عند الغزل لشيوخ اليمن وعادتي أجمعه مع الفقيه الإمام الولي الكبير الرفيع المقام إسماعيل بن محمد الحضرمي المتقدم ذكره في سنة ست وسبعين حيث قلت مشيرا أيضاً إلى مسكن الحضرمي ودلاله وحلاله‏:‏ وجود في الضحى أضحت بحسن زها تختال فاقت للغواني كجود للمعازبة اعتراها حصان في حيا حسن رزان وكم من جوهر صادفته في حقير من جناد صدف صان وفي أخرى تشتمل على ذكر مائة شيخ من أكابر الأولياء المشهورين الأفراد في اليمن وغيره من أقطاب البلاد‏.‏تنيف على ثلاث مائة بيت في التعداد‏.‏

قلت‏:‏ أيضاً مشيراً إليهما‏:‏ أنا راسماً مجد المعالم والعلى وصار أهدى للحائر المتردد وليان كل كم له من كرامة عليان كل في مقام مشيد خليلان كل صادق في وداده جليلان كل في ردا المجد مرتد ذوا مجد أكرام الولاية معلماً بنور الهدى يزهو به كل مسعد هما الحضرمي نجل الولي محمد إمام الهدى نجل الإمام الممجد مدل ومجوب وفي كلفة العنا عظيم كرامات وجاه وسؤدد ومن جاهه أومى إلى الشمس أن قفي فلم تمشي حتى أنزلوه بمقصد ونجل عجيل كم مواهب عجلت له وسعادات ومجد مجدد نحلي حلا يزهو الوجود بحسنها ويرفل في ثوب الجمال المنجد كان حلاه حلة الشمس معلم بهاها على كم الزمان بعسجد مشى سيرة محمودة لا يسيرها سوى كل صديق بحفظ مؤيد عظيم كرامات عزيز وجودها بها شهرة كانت لذكر معدد هو القمر الثاني البهي ليت نظرة إلى بحر حسن في الدجى متهجد وفي أخرى أيضاً موسومة بباهية المحيا في مدح الشيوخ الأصفياء والرد على بعض المنكرين الأغبياء بمعرفة الأصول والعربية وطريق السالكين الأولياء أشرت إليهما في غزلها بقولي‏:‏ وجود الضحى شمس الضحى حضرمية مدللة تزهو بعالي المنازل وذات إليها الحسنا عجيليه زهت بها سارت الركبان من كل راحل وأشرت إليهما أيضاً وإلى الشيخ الكبير اليمني الأصل والبلاد أبي العباس أحمد المعروف ورين الزمان ابن العجيل شهيرهم وصيادهم سامي العلا والفضائل ومن محاسن أدب السيد المذكور ابن عجيل المشهور المذكور احترازه في جوابه المشكور وقد سئل عن سماع الصوفية أن أبحه فلست من أهله وإن أنكره فقد سمعه من هو خير مني وقد نقلت هذا الجواب في بعض كتبي فلما قرئ ذلك الكتاب على ابن ابنه الفقيه العالم في الفضائل والمكارم أبي العباس أحمد بن أبي بكر في الحرم الشريف ووقف على جواب جده المذكور‏.‏

قال‏:‏ هكذا هو عندنا مسطور فزادني ذلك طمأنينة في العلم والتحقيق وقد اقتصرت في ترجمته على هذه النبذة اليسيرة وبالله التوفيق‏.‏وفيها توفي السويدي الحكيم العلامة شيخ الأطباء أبو اسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي سمع من طائفة وأخذ الأدب عن ابن معطي والطب عن المهذب وبرع فيه وصنف وفاق على الأقران وكتب الكثير بخطه المليح ونظر في التعليقات وألف كتاب الباهر في الجواهر والتذكرة في الطب وعاش تسعين سنة‏.‏

وفيها توفي سلامش بالمهملة في أوله والمعجمة في آخره الملك العادل ابن الملك الظاهر بيبرس الصالحي الذي سلطنوه عند خلع الملك السعيد ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر فبقي خاملاً بمصر فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضراً وأهلهم وجهزهم إلى بلاد الأسكري فمات بها‏.‏

قال الذهبي‏:‏ أحد زنادقة الصوفية وقد قيل له مرة‏:‏ أنت نصيري قال‏:‏ النصيري بعض مني‏.‏قال‏:‏ وأما شعره ففي الذروة العليا من حيث البلاغة والبيان لا من حيث الإلحاد‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أيضاً مع ما تقدم يدل على سوء عقيدة الذهبي في الصوفية أما كان يكفيه إن كان كما ذكر زنديقاً أن يقول‏:‏ أحد الزنادقة ولا يضيف إلى الصوفية الصفوة أهل الصدق والتصديق والحق والتحقيق كل فاجر زنديق‏.‏

وهل كل من كان متصفاً بالوصف المذكور أو غيره من وصف غير مشكور ينسب إلى الصوفية أهل الصفا والنور وكأنه ما يصدق متى يصادف رخصة يتخذها فرصة في الطعن في الساعة الأحباب العارفين أولى الألباب وليت هذا إذ حزم التوفيق في حسن الظن ومشابهة الولي الإمام محي الدين النواوي الجليل المقدار حيث ذكر في كتابه الحفيل الموسوم بالإذكار إن الصوفية من صفوة هذه الأمة نعوذ بالله من حرمان التوفيق والعصمة فلم يكن لهم معتقداً أمسك عنهم ولم يكن فيهم منتقداً لكنه سارع إلى القدح فيهم ترا والطعن فيهم مرة بعد أخرى كأنه قد شرب من ما جيرانه المعروف بالوخم الطاعنين في الصوفية أولى الأحوال السنية ومحاسن الأوصاف والشيم والجد والاجتهاد وعوالي العزائم والهمم ورفض ما سوى الله والإقبال على الله في الفضل والجود والكرم وما أحسن التوفيق للسكوت فيما لا يدريه الإنسان كما تقدم من جواب السيد الجليل الكبير الشأن ابن العجيل لما سئل عن السماع حيث تورع فبم الجواب ولم ينسبه إلى الزيغ والابتداع وكيف وضع نفسه عن مشابهة من سمعه مع رخصه الله به ورفعه فقال‏:‏ إن أبحه فلست من أهله وإن أنكره فقد سمعه من هوي مني‏.‏

قلت‏:‏ وقد نص الشيوخ العارفون بالله من الصوفية أولى المقامات العلية إن الفرق الخارجة عن سنن الهدى ليسوا من الصوفية وإن ادعوا ذلك ولبسوا في الرسوم والزخارف وممن نص على ذلك شيخ عصره الإمام شهاب الدين في العوارف‏.‏

وفيها توفي الإمام فقيه الشام وشيخ الإسلام المشهور بالفضل والخير والاتباع أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري الشافعي المعروف ابن صباغ تاج الدين الملقب بالفركاح لحنف في رجليه العلامة شيخ المذهب على الإطلاق في زمانه والد الشيخ الإمام العلامة برهان الدين سمع من طائفة منهم ابن الزبيدي وتفقه على الإمامينابن عبد السلام وابن الصلاح واشتغل وأفتى وكان مع فرط ذكائه وتوقد ذهنه ملازماً للاشتغال مقدماً في المناظرة متبحراً في الفقه وأصوله وانتهت إليه رياسة المذهب - رحمه الله تعالى - له عبارات حسنة جزلة فصيحة وخطابة بليغة له الفوائد الجمة والفنون المهمة والمصنفات البديعة محبباً إلى الناس لعفته ودينه وفضله وعقله وعلمه ورياسته وتواضعه وكرمه ونصحه للمسلمين ومن مصنفاته كتاب الإقليد في درر التقليد علقه على أبواب التنبيه من نظر فيه علم محل الرجل من العلم وكان - رحمه الله تعالى - لطيف الطبع يميل إلى استماع السماع ويحضره ويرخص فيه وله اختيارات في المذهب مشى على أكثرها ولده وله فضائل كثيرة ومحاسن عديدة وشعر جيد وخرج له الحافظ علم الدين البرزالي مشيخة على مائة شيخ في عشرة أجزاء فسمعها عليه جماعة من الأعيان منهم الشيخ العلامة ابنه برهان الدين والشيخ الإمام العلامة تقي الدين ابن تيمية والحافظ أبو الحجاج المزي وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصري والشيخ علاء الدين ابن العطار وغيرهم‏.‏

وتخرج به جماعة كثيرون وخلائق لا يحصون وكانت فنونه في العلوم الشرعية وتأسف الناس على فراقه‏.‏

قلت‏:‏ وبلغني أن ولده الشيخ برهان الدين كان يرخص في السماع أيضاً بشروط كوالده وإن والده ما حضره إلا بعد أن رأى كرامة من بعض المشائخ الصوفية‏.‏

وفيها توفي ابن الزملكاني الإمام المفتي علاء الدين أبو الحسن ابن العلامة البارع كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري الدمشقي الشافعي‏.‏